سورة الذاريات - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الذاريات)


        


{إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8)}
{إِنَّكُمْ لَفِى قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ} أي متخالف متناقض في أمر الله عز وجل حيث تقولون: إنه جل شأنه خالق السموات والأرض وتقولون بصحة عبادة الأصنام معه سبحانه، وفي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فتقولون: تارة إنه مجنون، وأخرى إنه ساحر ولا يكون الساحر إلا عاقلًا، وفي أمر الحشر فتقولون: تارة لا حشر ولا حياة بعد الموت أصلًا، وتزعمون أخرى أن أصنامكم شفعاؤكم عند الله تعالى يوم القيامة إلى غير ذلك من الأقوال المتخالفة فيما كلفوا بالايمان به، واقتصر بعضهم على كون القول المختلف في أمره صلى الله عليه وسلم، والجملة جواب القسم ولعل النكتة في ذلك القسم تشبيه أقوالهم في اختلافها وتنافي أغراضها بطرائق السموات في تباعدها واختلاف هيآتها، أو الإشارة إلى أنها ليست مستوية جيدة، أو ليست قوية محكمة، أو ليس فيها ما يزينها بل فيها ما يشينها من التناقض.


{يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9)}
{يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} أي يصرف عن الايمان بما كلفوا الايمان به لدلالة الكلام السابق عليه، وقال الحسن. وقتادة: عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال غير واحد: عن القرآن، والكلام السابق مشعر بكل من صرف الصرف الذي لا أشد منه وأعظم؛ ووجه المبالغة من إسناد الفعل إلى من وصف به فلولا غرض المبالغة لكان من توضيح الواضح فكأنه أثبت للمصروف صرف آخر حيث قيل: {يُصْرَفْ عَنْهُ} المصروف فجاءت المبالغة من المضاعفة ثم الإطلاق في المقام الخطابي له مدخل في تقوية أمر المضاعفة وكذلك الإبهام الذي في الموصول، وهو قريب من قوله تعالى: {فَغَشِيَهُمْ مّنَ اليم مَا غَشِيَهُمْ} [طه: 87] وقيل: المراد {يُصْرَفْ عَنْهُ} في الوجود الخارجي من {صَرَفَ عَنْهُ} في علم الله تعالى وقضائه سبحانه، وتعقب بأنه ليس فيه كثير فائدة لأن كل ما هو كائن معلوم أنه ثابت في سابق علمه تعالى الأزلي وليس فيه المبالغة السابقة، وأجيب عن الأول بأن فيه الإشارة إلى أن الحجة البالغة لله عز وجل في صرفه وكفى بذلك فائدة وهو مبني أن العلم تابع للمعلوم فافهمه، وحكى الزهراوي أنه يجوز أن يكون الضمير {لِمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات: 5] أو للدين أقسم سبحانه بالذاريات على أن وقوع أمر القيامة حق ثم أقسم بالسماء على أنهم في {قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ} في وقوعه، فمنهم شاك، ومنهم جاحد ثم قال جل وعلا: {يُؤْفَكُ} عن الإقرار بأمر القيامة من هو المأفوك، وذكر ذلك الزمخشري ولم يعزه، وادعى صاحب الكشف أنه أوجه لتلاؤم الكلام، وقيل: يجوز أن يكون الضمير لقول مختلف وعن للتعليل كما في قوله تعالى: {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِى ءالِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ} [هود: 53]
ينهون عن أكل وعن شرب *** مثل المها يرتعن في خصب
أي يصرف بسبب ذلك القول المختلف من أراد الإسلام، وقال الزمخشري: حقيقته يصدر إفكهم عن القول المختلف، وهذا محتمل لبقاء عن على أصلها من المجاوزة واعتبار التضمين، وفيه ارتكاب خلاف الظاهر من غير داع مع ذهاب تلك المبالغة، وجوز ابن عطية رجوع الضمير إلى القول إلا أنه قال: المعنى يصرف عن ذلك القول المختلف بتوفيق الله تعالى للإسلام من غلبت سعادته، وتعقبه بأن فيه مخالفة للعرف فإن عرف الاستعمال في الإفك الصرف من خير إلى شر فلذلك لا تجده إلا في المذمومين، ثم إن ذلك على كون الخطاب في أنكم للكفار وهو الذي ذهب إليه ابن زيد وغيره واستظهر أبو حيان كونه عامًا للمسلم والكافر، واستظهر العموم فيما سبق أيضًا، والقول المخلف حينئذ قول المسلمين بصدق الرسول عليه الصلاة والسلام، وقول الكفار بنقيض ذلك، وقرأ ابن جبير. وقتادة {مَنْ أُفِكَ} مبنيًا للفاعل أي من أفك الناس عنه وهم قريش، وقرأ زيد بن علي يأفك عنه من أفك أي يصرف الناس عنه من هو أفاك كذاب، وقرئ يؤفن عنه من أفن بالنون فيهما أي يحرمه من حرم من أفن الضرع إذا أنهكه حلبًا.


{قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10)}
{قُتِلَ الخرصون} أي الكذابون من أصحاب القول المختلف، وأصل الخرص الظن والتخمين ثم تجوز به عن الكذب لأنه في الغالب يكون منشأ له، وقال الراغب: حقيقة ذلك أن كل قول مقول عن ظن وتخمين يقال له: خرص سواء كان مطابقًا للشيء أو مخالفًا له من حيث أن صاحبه لم يقله عن علم ولا غلبة ظن ولاسماع بل اعتمد فيه على الظن والتخمين كفعل خارص الثمرة في خرصه، وكل من قال قولًا على هذا النحو قد يسمى كاذبًا وإن كان قوله مطابقًا للمقول المخبر به كما في قوله تعالى: {إِذَا جَاءكَ المنافقون} [المنافقون: 1] الآية انتهى.
وفيه بحث وحقيقة القتل معروفة، والمراد بقتل الدعاء عليهم مع قطع النظر عن المعنى الحقيقي.
وعن ابن عباس تفسيره باللعن قال ابن الأنباري: وإنما كان القتل عنى اللعن هنا لأن من لعنه الله تعالى نزلة المقتول الهالك، وقرئ قتل الخراصين أي قتل الله الخراصين.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8